تربية الأولاد في الاسلام
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)﴾
(سورة طه : الآية 117)
بحسب قواعد اللغة "ولا يخرجنكما من الجنة فتشقيا" في القرآن إيجاز بليغ شقاء الزوج شقاء حكمي للزوجة ، ويقاس على هذه الآية أن شقاء الابن شقاء حكمي للأب ، لن تجد أباً يسعد إذا كان ابنه منحرفاً .
يا أيها الأخوة من أجل أن يكون أبناؤنا استمراراً لنا ، ومن أجل أن نسعد بتربية أولادنا ، من أجل أن تقر أعيننا بهم ، من أجل أن تكون الأسرة الإسلامية متماسكة ، من أجل أن تنام قرير العين إن رأيت ابنك صالحاً ، والله الذي لا إله إلا هو يدخل على قلب الأب من السعادة والطمأنينة ما لا يوصف إن رأى ابنه صالحاً ، شيء دقيق ، والحقيقة إذا كان في العصور السابقة ينبغي أن نربي أولادنا ففي هذا العصر الاهتمام بتربية الأولاد ينبغي أن يتضاعف إلى ألف ضعف لكثرة المعوقات ولكثرة الصوارف ، يعني مئات الأبواب التي تصرف الابن عن طاعة الله ، الفتن كلها يقِظَة ، أينما نظرت ، إذا اشتريت جريدة أو مجلة أو نظرت إلى الشاشة أو سرت في الطريق أو استمعت إلى قصة تجد أن الفتن يقظة ، والشبهات مستعرة ، والشهوات في أوج اتقادها ، وقد ينجو الإنسان لكن نجاة الواحد منا لا تكفي إلا إذا نجا معه أولاده .
أيها الأخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو لا أجد موضوعاً ينبغي أن يهتم به المسلمون كتربية الأولاد ، ذلك أن الأولاد ـ وهذه حقيقة خطيرة جداً ـ الأولاد الآن أولاد المسلمين هم الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا ، يعني بشكل واقعي وبلا مجاملات وبلا مبالغات لم يبقَ في أيدينا إلا أولادنا ، فحينما نعتني بهم معنى ذلك أننا نبني مستقبلنا ، حينما نعتني بهم معنى ذلك أننا ننتبه إلى مستقبلنا ، مستقبلنا بتربية أولادنا ، ومن منا يصدق أنه بالإمكان أن تصل إلى الجنان من خلال تربية أولادك ، طريق إلى الجنة سالك وأنت في البيت هذا الكلام أقوله وسوف آتي بتفاصيل إن شاء الله تعالى .
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطمح أن يكون ابنك صالحاً وأنت لست بصالح ، الطفل من خصائصه أنه يتعلم بالفكرة ، يتعلم بالصورة ، لا يستطيع الطفل أن يفرق بين المبدأ وبين الشخص ، الإنسان المتفوق الواعي المثقف عنده إمكانية أن يفرق بين المبدأ وبين معتنقي المبدأ ، لكن الطفل لا يستطيع ، يعني أبوه في أعلى مكان ، أما أن يقول : الإسلام عظيم لكن أبي مقصر ، هذه لا يستطيعها الطفل ، يرى أن أبيه هو الإسلام ، فإذا فعل الأب معصيةً فهذه مشروعة ، لذلك لا يمكن أن تطمح أن يكون ابنك صالحاً إن لم تكن أنت صالحاً ، ومن السخف والغباء والسذاجة أن يحرص الأب أن يكون ابنه مستقيماً وديّناً وصالحاً وهو ليس كذلك ، ومن السخف والغباء والسذاجة أن تحرص الأم على أن تكون ابنتها إنسانةً طيبةً طاهرةً عفيفةً وهي ليست كذلك ، لذلك لا يمكن أن تُقْدِم على وسائل التربية إلا أن تكون أنت قدوة .
الأب هو السقف والقدوة :
قد تجد أباً ليس مسلماً ، اسمه إسلامي ، وكنيته إسلامية ، وأبوه مسلم ، وأمه مسلمة ، لكن بالتعامل اليومي ليس مسلماً ، كيف يطمح هذا الأب أن يكون ابنه مسلماً تقياً ورعاً نقياً طاهراً عفيفاً وهو ليس كذلك ؟ لذلك الأب هو السقف ، ولا يمكن إلا في حالات نادرة جداً ـ وهذه ليست قاعدة في حالات نادرة ـ يفوق الابن أباه حتى في التدين ، هذه الحالات لا تعد قاعدةً ، القاعدة أن الأب هو السقف .
ما لم تكن أنت قدوةً لابنك ، ما لم تكن أنت صادقاً لن يكون ابنك صادقاً ، ما لم تكن أنت عفيفاً لن يكون ابنك عفيفاً ، ما لم تغض أنت بصرك عن محارم الله لن يغض ابنك بصره عن محارم الله ، ما لم تكن أميناً لن يكون ابنك أميناً ، وفي فكرة هي أن الآباء يتصورون بسذاجة أن أولادهم لا يعلمون ، والله من خلال بعض التجارب الابن ولو رأيته صغيراً لا ينتبه إلى كل شيء ولكنه في الحقيقة غير ذلك .
حدثني أخ مقيم في أمريكا سأل ابنه : هل نظفت أسنانك ؟ فسكت ، سأله ثانيةً فسكت ، سأله ثالثةً قال له : نعم ولا باللغة الإنكليزية ، قال له : كيف ؟ قال له : أنا أنظفها دائماً اليوم لا ، فعنفه الأب لماذا تكذب علي ؟ ـ إجابته لا تصدق ـ قال له : كلينتون يكذب في موضوع مونيكا ، الابن الصغير في المرحلة الابتدائية يتابع الأخبار ، هو كذب حينما أدلى بتصريحات غير صحيحة .
تابع. تربيةً الأولاد في الاسلام
بنت ترى أمها تكذب على أبيها ، ابن يرى من أبيه كذباً في البيع والشراء ، أحياناً يكون ابنك في المحل والبضاعة مثلاً ليست من أصل معين ، من منشأ آخر ، وليس عليها المنشأ ، الشاري يسأل عن منشأ البضاعة ، يقول له : هذه بضاعة إنكليزية أو فرنسية ، وهي ليست كذلك ، الابن ينتبه .
الحقيقة الإنسان أيها الأخوة ماذا أقول ؟ لو كان في الدرجة السفلى من السلم الاجتماعي في حالة خطيرة جداً أن يسقط من عين نفسه ، الإنسان حينما يكذب أو حينما يتناقض أو حينما يخالف منهج الله أو حينما لا يكون كاملاً يسقط من عين نفسه ، في الدرجة الثانية الإنسان حينما يسقط من عين أهله يعني زوجته وأولاده ، قد تجد متاعب خارج البيت ، قد تجد صعوبات ، قد تجد خصومات ، قد تجد أعداء ، قد تجد مناوئين ، أما أن تسقط من عين زوجتك ومن عين أولادك هذه مشكلة كبيرة .
أثر القدوة في البيت :
إذاً أول وسيلة فعالة من وسائل تربية الأولاد أن تبقى ساكتاً أن تبقى صامتاً وأن تكون قدوةً حينما سئلت السيدة عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :
(( كان خلقه القرآن .))
[ مسلم عن عائشة رضي الله عنها]
يقولون الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، قرآن متحرك ، إذا أردت أن تربي أولادك كن أنت قدوةً لهم ، كن أنت صادقاً ، كن أنت عفيفاً ، كن أنت أميناً ، والابن يدرك ويعلم .
والله بعض الأطفال الذين تربوا في أسر إسلامية متمسكة بالدين هو في سن قبل التكليف بكثير تراه يغض بصره عن امرأة لا يحل للكبير أن يراها ، سلوك رائع جداً ، في عفة وهو صغير لأنه يرى أباه يغض بصره ، وقد تجد فتاة عمرها سنوات تحب أن تضع الحجاب وأن تصلي ولو صلاةً شكلية ، هذا أثر القدوة في البيت .
أيها الآباء ، أيها المتزوجون ، أيها الناس الذين تطمحون إلى ابن صالح كن أنت صالحاً ، لذلك كنت أقول سابقاً يمكن أن تكون أكبر داعية إلى الله وأنت صامت ، هذه الدعوة الصامتة بليغة جداً ، دعوة بالمواقف ، بل ـ وأنا لا أبالغ ـ كل مؤمن شاء أم أبى ، علم أو لم يعلم ، انتبه أو لم ينتبه ، داعية مؤمن صادق ، هذا لا يكذب ، هذا لا يغش ، هذا لا يأكل مالاً حراماً ، هذا عفيف ، هذا أمين ، فالمؤمن مظنة ، صلاح المؤمن ينبغي أن يكون قبلة الأنظار .
النبي قدوة لنا في العبادة :
هذا أول درس ، أكبر وسيلة فعالة ، أكبر وسيلة مؤثرة لتربية أولادك أن تكون أنت قدوةً لهم ، ليس هناك من موقف يدعو إلى الاشمئزاز ، إذا كان الأب يدخن ثم علم خفيةً أن ابنه يدخن فأقام عليه النكير ، الدخان سيئ أم جيد ؟ سيئ ، لماذا أنت تدخن أيها الأب ؟ مادمت تدخن فهو من صفات الرجولة عند ابنك ، أراد أن يشعر بنفسه أنه رجل فدخن تقليداً لك ، هذه المشكلة ، فلذلك لن يكون الابن في الأعم الأغلب أو في الوضع الطبيعي فوق أبيه ، بل دونه ، فالأب هو السقف ، فكلما رفعت سقفك أنت رفعت مستوى تربية أولادك .
لذلك السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
(( كان خلقه القرآن .))
[ مسلم عن عائشة رضي الله عنها]
ثم أن النبي عليه الصلاة والسلام تحدث عن نفسه فقال :
((أدبني ربي فأحسن تأديبي .))
[رواه العسكري عن علي رضي الله عنه]
ما هذا الأدب يا رسول الله ؟ أخ كريم كان له محل جانب المسجد قال لي : دخل عدة أطفال ، ودخل طفلان من سمتهما الحسن ومن أدبهما ومن وقوفهما المؤدب ومن غض بصرهما عن امرأة كانت في المحل بدا أن هذين الطفلين من طلاب المسجد ، والفرق واضح جداً بين طلاب متفلتين ، عيون زائغة ، تعليقات لاذعة ، مزاح رخيص ، وقاحة ، وبين طالب تأدب بأدب الإسلام . صدقوا أيها الأخوة أن الأدب الإسلامي يجعل للإنسان قيمة عند الله وعند الناس
ما هذا الأدب يا رسول الله ؟ أخ كريم كان له محل جانب المسجد قال لي : دخل عدة أطفال ، ودخل طفلان من سمتهما الحسن ومن أدبهما ومن وقوفهما المؤدب ومن غض بصرهما عن امرأة كانت في المحل بدا أن هذين الطفلين من طلاب المسجد ، والفرق واضح جداً بين طلاب متفلتين ، عيون زائغة ، تعليقات لاذعة ، مزاح رخيص ، وقاحة ، وبين طالب تأدب بأدب الإسلام . صدقوا أيها الأخوة أن الأدب الإسلامي يجعل للإنسان قيمة عند الله وعند الناس .
أيها الأخوة ، النبي قدوة لنا ، قدوة في العبادة ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه ، ولما قيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبداً شكوراً .
السيدة عائشة حينما سئلت عن عمله قالت :
(( كان عمله ديمةً .))
[متفق عليه عن علقمة]
لا يوجد نوبات ، نوبة طاعة ثم تفلت ، معظم الناس تأتيه نوبات ، يحضر مجلس علم ، يُسَرُّ يومين ثلاثة أو أسبوعين ثلاثة ثم يغط ، تأتيه نوبة بعد شهرين ثلاثة ، كان عمله ديمةً مستمراً :
(( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ .))
[مسلم عن عائشة رضي الله عنها]
وكان يقول :
(( أرحنا بالصلاة يا بلال .))
[رواه أبو داود وأحمد عن سالم بن أبي الجعد]
وقد جعلت قرة عينه صلى الله عليه و سلم في الصلاة .
بعض الآيات القرآنية عن تعبد النبي الكريم :
كان في العبادة في أعلى مستوى ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2)نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3)أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً (4)إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)﴾
( سورة طه )
وقال :
﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾
( سورة الإسراء : الآية 79 )
وقال :
﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)﴾
( سورة الإنسان : الآية 25-26)
كان قدوة في عبادته وأنا أقول لكم أيها الأخوة : حينما يرى الابن أباه يصلي صلاة متقنة ، وصلاة في وقتها ، يتوضأ ويحسن الوضوء ، يجهر بالصلاة الجهرية ، يصلي مع أولاده ، هذا البيت فيه صلاة ، قال تعالى :
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)﴾
( سورة طه : الآية 132)
كأن الله يطمئن أهل البيت التي تقام فيه الصلوات الخمس لا نسألك رزقاً نحن نرزقكم .
أحد أسباب زيادة الرزق الصلاة في البيت :
أحد أسباب زيادة الرزق الصلاة في البيت ، لكن النبي علمنا ، أحياناً أنا أصلي الفرض وركعتي السنة ولا أصلي الوتر ، الوتر يصلى في البيت ، اجعل الفرائض في المسجد والسنن الروافد في البيت ، صار البيت ليس قبراً ، ليس فندقاً ، ليس مكاناً للنوم والأكل ، صار مكاناً للعبادة .
إذاً كان قدوةً في العبادة ، يعني أب يغض بصره ، أب يصلي وقته ، أب لا يكذب ولا يغتاب ، هذا الأب قدوة ، لو لم ينصح ابنه وصل إلى الهدف .
النبي عليه الصلاة والسلام كان قدوةً في الكرم :
((ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، ولقد جاءه رجل فأعطاه غَنماً بين جبَلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلِمُوا ، فإن محمداً يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر.. ))
كان قدوةً في الزهد :
(( دخل عليه سيدنا عمر فرآه مضطجعاً على حصير أثر في خده الشريف فبكى ، قال : لِمَ تبكي يا عمر ؟ قال : رسول الله ينام على الحصير وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير ، قال : يا عمر إنما هي نبوة وليست ملكاً ، يا عمر أفي شك أنت يا عمر ألا ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا .))
[أحمد وأبو يعلى عن أنس بن مالك ]
كان مثلاً أعلى في الزهد ، لذلك المبالغة في الترف تبعد عن الله عز وجل ولو كانت مباحة ، همه الأول الطعام ، همه الأول ينام ، همه الأول أن يكون في مكان جميل ، همه الأول أن يتمتع في الحياة :
(( إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين .))
[أحمد عن معاذ]
يتنعم لكن لا يقصد التنعم ، الله لا يحرمك شيئاً ، لا تحرم هذه الدنيا لكن لا تجعلها قبلةً لك ، اجعلها وسيلة ولا تجعلها غاية ، لذلك العلماء فرقوا بين أن تكون الدنيا بيديك وأن تكون في قلبك ، في القلب مشكلة في اليدين ليست مشكلة .
سئل فقال :
((مالي وللدنيا ، ما أََنا والدنيا إِلا كَرَاكِبٍ استَظَلَّ تحت شجرة ، ثم راحَ وتَركها.))
أشكال الفقر :
قال عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً .))
[ابن عساكر عن أبي هريرة]
إذا سألت شخصاً ما : كيف وضعك المالي ؟ وقال لي : مستورة ، أقول له : معنى هذا أصابتك دعوة النبي ، معنى كفاف غير الفقر ، أي حاجاتك مؤمنة ، مغطاة ، والآن ليس سهلاً أن تكون أمورك مؤمنة ، ليس من السهل أن يكون دخلك يغطي حاجاتك ، هذه نعمة كبيرة ، إن صحت هذه نعمة كبيرة ، وكنت في هذا المقام أقول : هناك فقر الكسل وهذا مذموم ، كسول ، إرجائي ، لا يوجد همة ، هذا فقر الكسل ، ويوجد فقر القدر ، ويوجد فقر الإنفاق ، فقر الإنفاق بطولة ، ماذا أبقيت يا أبا بكر ؟ قال : الله ورسوله ، أنفق كل ماله فصار فقيراً لكن فقر إنفاق ، ويوجد فقر القدر ، إنسان معه عاهة هذا صاحبه معذور ، وفقر الكسل صاحبه مذموم ، وعلمنا القرآن الكريم :
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)﴾
( سورة طه : الآية 131)
النبي الكريم كان في خدمة أصحابه وكان مثلاً أعلى لهم :
كان قدوة في التواضع ، قال :
(( من حمل سلعته فقد برئ من الكبر ))
[القضاعي والديلمي عن أبي أمامة]
كان يجلس مع الضعيف والفقير ، يصغي إلى المرأة الضعيفة ، يكنس داره ، يخصف نعله ، كان في خدمة أهله ، كان يقف لأي إنسان إذا سأله في الطريق ، جاءه عدي ابن حاتم لا يدري أنبي هو أم ملك ؟ فلما انطلق به إلى البيت قال : استوقفته امرأة فوقف معها طويلاً تكلمه في حاجتها ، فقلت : والله ما هذا بملك إنما هو نبي يقبل عذر المعتذر ، إذا إنسان صافحه لا يسحب يده منه إلا أن يسحبها من صافحه ، كان يجلس جلسة العبد يقول :
(( إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ))
[ابن ماجة عن أبي مسعود]
كان في خدمة أصحابه ، وكان قدوة في الحلم :
(( شَدّ أعربيٌّ بُردَه حتى أثّر في عاتقه ، ثم أغلظ له القول بأن قال له : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ! فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضحك ، ثم أمر له بعطاء . ))
[متفق عليه عن أنس رضي الله عنه]
كان قدوةً في العفو : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
كان شجاعاً :
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا . ))
[البخاري عن أنس رضي الله عنه]
سبقهم إلى استطلاع الخطر ، وكان إذا حمي الوطيس ما كان من أحد أقرب إلى العدو منه من شدة شجاعته ، وكنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله وقال :
(( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ))
[ ابن حبان عن أبي إسحاق ]
أنا أسوق لكم هذه المثل كي تعلموا أن اتباع أصحابه له وأنهم أحبوه وفدوه بأرواحهم لا لأنه ألقى عليهم مواعظ فقط بل لأنه كان معهم ، وكان مثلاً أعلى ، وكان قدوةً لهم ، قال الله عز وجل :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ (21)﴾
( سورة الأحزاب : الآية 21)
قصة من السيرة النبوية عن حكمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :
أيها الأخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام واجه مشكلة ، آخر معركة كانت معركة حنين ، وزع الغنائم :
(( لما أعطي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ـ وزعها على حديثي عهد بالإسلام ولم يعطِ الأنصار منها شيئاً اعتماداً على إيمانهم ـ وَجَدَ هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القَالَةُ ، حتى قال قائلهم : لقي واللّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قومه ، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول اللّه ، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدُوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب ، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء . قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ ـ ما موقفك أنت ناقم أم معهم ؟ ـ قال : يا رسول اللّه ، ما أنا إلا من قومي ـ متألم أيضاً ـ قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة . فخرج سعد فجمع الأنصار في تلك الحظيرة ، فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتاه سعد فقال : لقد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ـ والله هذه القصة رويتها مئات المرات بل عشرات مئات المرات فيها دقة بالغة ـ فأتاهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فحمد اللّه ، وأثني عليه ـ هنا الآن تصور إنسان على قمة المجتمع المسلم ، نبي الأمة ، بل هو سيد الأنبياء ورسول هذه الأمة ، بل هو سيد الرسل ، بل هو سيد ولد آدم قاطبةً ، بل إنه الإنسان الأول الذي أقسم الله بعمره ، وبعد أن دانت له الجزيرة العربية من أقصاها لأقصاها ، يعني أقوى إنسان بالمفهوم المادي يأتيه قوم ينتقضونه في توزيع الغنائم ماذا يفعل الأقوياء في مثل هذا الموقف ؟ والله هناك أقوياء يلغون وجودهم ، يوجد في التاريخ البشري أناس وجهوا بعض النقد فألغي وجودهم نهائياً ، كان من الممكن أن يلغي وجودهم لكنه لم يفعل ، وكان من الممكن أن يهملهم ، وكان من الممكن أن يهدر كرامتهم ، لو قال كلمة واحدة عنهم منافقون انتهوا ، هو رسول الله وكان من الممكن أن يعاتبهم لصالحه ، كان من الممكن أن يلغي وجودهم ، وكان من الممكن أن يهدر كرامتهم ، ما الذي فعله وهو في أوج قوته وقد انتقدوه ؟ الذي فعله أنه ذكرهم بفضلهم عليه ـ ثم قال : يا معشر الأنصار ، مقَالَةٌ بلغتني عنكم ، وَجِدَةٌ وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم اللّه ؟ ـ ما قال فهديتكم ، رأيتم إلى أدبه الرفيع ـ وعالة فأغناكم اللّه ؟ وأعداء فألف اللّه بين قلوبكم ؟ قالوا : بلى ، اللّه ورسوله أمَنُّ وأفْضَلُ ، ثم قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول اللّه ؟ للّه ورسوله المن والفضل . قال : أما واللّه لو شئتم لقلتم ، فصَدَقْتُمْ ولصُدِّقْتُمْ : أتيتنا مُكَذَّبًا فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك ، وعائلاً فآسَيْنَاك ـ لو قلتم هذا لكنتم صادقين ولصدقكم الناس ـ أوَجَدْتُمْ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لَعَاعَةٍ من الدنيا تَألفَّتُ بها قوماً ليُسْلِمُوا ، ووَكَلْتُكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم ؟ فو الذي نفس محمد بيده ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شِعْبًا ، وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ، اللّهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار . فبكى القوم حتى أخْضَلُوا لِحَاهُم وقالوا : رضينا برسول اللّه صلى الله عليه وسلم قَسْمًا وحظاً ، ثم انصرف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا .))
[رواه ابن إسحاق عن أبي سعيد الخدري]
هذه القصة توضع أين ؟ مع حكمته أم مع وفائه أم مع تواضعه أم مع حسن سياسته ؟ فعلاً شيء رائع ، فلذلك لأنه كان قدوةً الصحابة انصاعوا له .
النبي الكريم قدوة لنا في الثبات على المبدأ :
أنا لا أنسى هذا الموقف ، حينما جاءت غنائم كسرى يروى أن رجلين لو وقفا حول الغنائم ورفع كل منهما رمحه لما رأى الأول الثاني لكثرتها ، كنوز كسرى كل ما في قصر كسرى من ذهب ، ومن فضة ، ومن ألماس ، جيء به إلى المدينة أكوام ، سيدنا عمر نظر إلى هؤلاء الذين جاءوا بهذه الغنائم شيء ثمين جداً فقال : سبحان الله إنهم أمناء . فأجابه سيدنا علي : يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم لقد عففت فعفوا ولو وقعت لوقعوا .
تابع تربية الأولاد في الاسلام
النبي الكريم قدوة لنا في الثبات على المبدأ :
أنا لا أنسى هذا الموقف ، حينما جاءت غنائم كسرى يروى أن رجلين لو وقفا حول الغنائم ورفع كل منهما رمحه لما رأى الأول الثاني لكثرتها ، كنوز كسرى كل ما في قصر كسرى من ذهب ، ومن فضة ، ومن ألماس ، جيء به إلى المدينة أكوام ، سيدنا عمر نظر إلى هؤلاء الذين جاءوا بهذه الغنائم شيء ثمين جداً فقال : سبحان الله إنهم أمناء . فأجابه سيدنا علي : يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم لقد عففت فعفوا ولو وقعت لوقعوا .
لا يوجد في هذا الدرس قضية خطيرة إلا القدوة ، كن قدوة لأولادك ، لاحظ أنهم يراقبونك ، يرون حركاتك وسكناتك ونظراتك وكلامك فينبغي أن تكون قدوةً لأولادك .
الثبات على المبدأ ، كان قدوةً في الثبات على المبدأ ، واجه مصاعب كثيرة حتى أنهم عرضوا عليه أن يزوجوه أجمل فتاة ، وأن يجعلوه أميراً عليهم ، وأن يعطوه مالاً حتى يغدو أغناهم ، فقال :
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .))
[السيرة النبوية]
أيها الأخوة ، لما قال أحدهم وهو أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ، يعني بالله عليكم إنسان على مشارف القتل ، أحد الصحابة بعد قليل سيُقتَل ، سأله أبو سفيان قال له : أتحب أن يكون محمّد مكانك ؟ هذا الصحابي الجليل أظنه خبيباً قال : لا والله ، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ـ في أهلي مع زوجته وأولاده ـ وعندي عافية الدنيا ونعيمها ـ البيت مكيف وفيه ورود وكل ما لذ وطاب في المطبخ يعني للتقريب ـ ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها ويصاب رسول الله بشوكة . عندئذ قال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .
نحن فقدنا الحب يا أخوان ، كل شيء يوجد عندنا لكن لا يوجد حب ، خصومات في الأسرة بين أخوين ، بين جماعتين ، بين داعيتين ، بين عالمين ، شيء مؤلم جداً ، بأسنا بيننا ، ممزقون ، لأن البغض له قانون قانونه قوله تعالى :
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (14)﴾
( سورة المائدة : الآية 14)
(( والذي نفس محمد بيده ما توادّ اثنان ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما . ))
[أحمد عن ابن عمر]
الرسول قدوة لنا ووجهنا إلى أن نكون قدوةً لأولادنا :
أيها الأخوة ، موضوع القدوة موضوعان ، الأول : كان عليه الصلاة والسلام قدوة لنا ، الثاني : وجهنا إلى أن نكون قدوةً لأولادنا ، فالقسم الأول استغرقه هذا الدرس ، القسم الثاني إن شاء الله في درس قادم ، وبعدها ننتقل إلى التربية بالعادة ، والتربية بالتلقين ، والتربية بالعقاب ، والتربية بالموعظة ، موضوعات كبيرة جداً لو تأملناها لكان منهجاً للآباء في تربية أولادهم ، لكن التربية في القدوة تقع على رأس القائمة لذلك بدأت بها يكفي أن تكون قدوةً وانتهى الأمر .
أنت لاحظ بيت تقام به الصلوات ، الأطفال الصغار يقلدون آباءهم دون أن يشعروا ، دخل موجه تربوي إلى مدرسة ابتدائية ـ هذه طرفة ـ في منطقة حدودية فسأل طالباً : أنت حينما تكبر يا بني ماذا تحب أن تكون ؟ الجواب التقليدي : طبيب ، ضابط ، طيار ، قال له : مهرب أستاذ .
هذه المشكلة ، هكذا يرى الطفل ، هذا عمل والده ، فلذلك أنت حينما تكون في مستوى راقٍ جداً تجد أن الابن يطمح إلى أن يكون مثل أبيه ، فلا تطمح في نهاية المطاف ولن تستطيع أن تنال ابناً صالحاً وأنت لست بصالح ، لا تطمح ولن تستطيع أن تنتظر من ابنك أن يكون صادقاً وأنت لست صادقاً ، لا تطمح ولا تنتظر أن يكون ابنك عفيفاً وأنت لست بعفيف ، فإذا كنت صادقاً في تربية أولادك ، حريصاً على تأدبهم بآداب الإسلام ، حريصاً على أداء العبادات كن أنت قدوةً لهم وانتهى الأمر .
الدرس القادم إن شاء الله سوف يكون حول توجيهات النبي في القدوة أذكر توجيهاً واحداً كمثال : كان في بيت أقربائه امرأة قالت لابنها : تعال خذ ، فقال : ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت : تمرةً ، قال: أما إنك لو لم تفعلي لكتب عليك كذبة .
لا تنسوا عالم الحديث الذي انتقل من المدينة إلى البصرة ليأخذ حديثاً عن رجل سمعه من رسول الله ، رآه يوهم فرسه أن في ثوبه طعاماً حتى أقبلت الفرس ، كذب على الفرس فعاد إلى المدينة ولم يسأله سؤالاً واحداً ، الذي يكذب على فرسه ليس أميناً على حديث رسول الله .
جاء صحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام مهاجراً ، وفرح به النبي ، قال : يا رسول الله أمسَكوني في الطريق فقلت لهم : إن أطلقتموني والله لن أقاتلكم أبداً فأطلقوه ، الصحابي نسي بعد سنوات في غزوة انخرط بها فقال له النبي : ارجع ألم تعاهدهم . فالنبي قدوة في كل شيء .