نظرة الإسلام إلى الاستعجال:
ولما كانت العجلة والاستعجال من طبيعة الإنسان بشهادة خالقه، وصانعه، ومدبر أمره: ( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، ( خلق الإنسان من عجل )؛ فإن الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرة عدالة وإنصاف، فلا يحمده بالمرة، ولا يذمه بالمرة وإنما يحمد بعضه، ويذم البعض الآخر:
فالمحمود منه: ما كان ناشئا عن تقدير دقيق للآثار والعواقب، وعن إدراك تام للظروف والملابسات، وعن حسن إعداد، وجودة ترتيب.
ولعل هذا النوع من الاستعجال هو المعنيُّ في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: (وما أعجلك عن قومك يا موسى* قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى)؛ إذ الظروف مناسبة، والفرصة مواتية، والعاقبة محمودة، والنفس صافية مشرقة، فما الذي يحمل موسى على التواني والتأخير؟!
والمذموم منه: ما كان مجرد فورة نفسية خالية من تقدير العاقبة، ومن الإحاطة بالظروف والملابسات، ومن أخذ الأهبة والاستعداد. وهذا النوع الأخير هو الذي عناه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لخباب بن الأرت رضي الله عنه وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ما يلقاه هو وإخوانه من الأذى والاضطهاد، ويطلب منه أن يستنصر ربه، وأن يدعوه، قال له: " كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"، وهو الذي نعنيه نحن هنا أيضا.