سلسلة الأخلاق المذمومة
وأولها ترك الصلاة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
أول خلق مذموم نعالجه في هذا الدرس ترك الصلاة ، قال تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
أيها الإخوة الكرام ، من تعاريف ترك الصلاة اصطلاحاً : أن يَدَع الإنسان إقامة الصلاة المفروضة عمداً ، أما ترك الصلاة فهو عدم إقامتها عمداً ، وأما إضاعتها فقد قال ابن مسعود : وليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ، ولكن أخرّوها عن أوقاتها .
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾
[ سورة مريم ]
بالمناسبة ترك الصلاة عدم إقامتها عمداً ، أما إضاعة الصلاة فتأخيرها عن أوقاتها ، لذلك من أعظم الأعمال الصلاة على وقتها .
قال إمام التابعين سعيد بن المسيب : هو ألا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ، وألا يصلي العصر حتى يأتي المغرب ، وألا يصلي المغرب حتى يأتي العشاء ، وألا يصلي العشاء حتى قبيل الفجر ، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس ، هذه إضاعة الصلاة .
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ﴾
[ سورة النساء : 103 ]
وهناك نص ورد معي أنه من أخّر الصلاة عن وقتها أذهب الله البركة من عمره .
دخلت إلى البيت صلّ العشاء أولاً ، ثم ترتاح ، وتأكل بهناء ، وتجلس مع أولادك بهناء ، لو لم تصلّ لشعرتَ بقلق عميق ، دخلت الظهر إلى البيت ، ابدأ بالصلاة في الوقت ، إذاً إضاعة الصلاة تأخيرها حتى الوقت الذي يليها ، لذلك هناك ساعات قبل نصف ساعة من الوقت تعطيك تنبيها ، هذه تصلح للمؤمنين والمنافقين معاً ، المنافق يصلي بعد الإنذار ، يكون قد بقي نصف ساعة ، أما المؤمن فيستعد للصلاة قبل نصف ساعة ، وهذا بينهما فرق كبير ، من مات وهو مصرٌّ على هذه الحالة ، ولم يتب أوعده الله بغيٍّ ، قال تعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم ]
قال القرطبي : إضاعة الصلاة كفر وجحود بها ، وقيل : إضاعة أوقاتها وعدم القيام بحقوقها ، يصلي ويطلق بصره ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر ﴾
[ سورة العنكبوت 45]
يصلي ويكذب ، يصلي ويحلف يمينا كاذبة حتى يبيع السلعة ، يصلي ويحتال ، إذاً : هو لم يحقق نتائج الصلاة ، هذا أيضاً من إضاعتها ، فهناك تأخير وقتها ، وعدم تحقيق نتائجها .
المعنى الثاني : السهو عن الصلاة :
أما السهو عن الصلاة فقد اختلف فيه على أقوال عديدة ، السهو من أين جاء ؟ قال تعالى :
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
[ سورة الماعون ]
لو قال : في صلاتهم ساهون لهلك معظم المسلمين ، بل عن صلاتهم ساهون ، ما معنى السهو عن الصلاة ؟ السهو عن الصلاة تأخيرها عن وقتها ، قال أحد الصحابة : << أرأيت قول الله عز وجل :
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
أهي ترْكُها ؟ قال : لا ، ولكن تأخيرها عن وقتها >> .
إذاً : السهو عن الصلاة يشبه إضاعة الصلاة .
وقيل : السهو أن تترك فلا تصلى ، يصلي وقتا ، ويترك وقتا ، أيضاً هذا من السهو ، والله عز وجل قال :
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
[ سورة الماعون ]
هؤلاء هم المنافقون ، فقد كانوا يراءون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ففي بيته لا يصلي ، أما وهو جالس بدائرة ، واتجاهها إسلامي ، دائرة خاصة ، ورأس الدائرة صاحب دين ، وعنده رغبة ، الكل يصلون فيصلي معهم ، حتى ينتزع إعجاب صاحب الشركة ، وفي البيت لا يصلي .
المعنى الثالث ، المعنى الأول تأخيرها عن وقتها السهو في الصلاة ، المعنى الثاني يترك بعض الصلوات فلا يصليها .
المعنى الثالث : التهاون بها والتغافل عنها :
المعنى الثالث : يتهاونون بها ويتغافلون عنها ، فهم لاهون ساهون ، غافلون ، وليست الصلاة من شأنهم ، ساهون يتهاونون .
أيها الإخوة ، ورد في بعض الآثار : " لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا إن صلى لم يرجُ خيراً من صلاته ، وإن تركها لم يخف ربه " .
هذه الحالة أخطر من كل الدنيا ، لو أعطيت كل الدنيا ، وكنت كذلك ، إن صليت لا ترجو خيرها ، وإن تركتها لن تندم على تركها ، فلا قيمة لكل هذه الدنيا أمام هذه الحالة الخطيرة المرضية .
تابع سلسلة الأخلاق المذمومة ٣
وأولها ترك الصلاة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
حُكــمُ تاركِ الصلاة :
الحديث الثالث :
عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ ، فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ ))
[ ابن ماجه]
الحديث الرابع :
(( عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة : عليهن أسس الإسلام ، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر ، من أحل دم امرئ مسلم ، وشهادة لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان ))
[ الجامع الصغير عن ابن عباس بسند ضعيف ]
عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ))
[ الترمذي ، أحمد ، النسائي ]
انظرْ إلى هذا التناقض العجيب !!!
الصلاة لها شأن كبير أيها الإخوة الكرام ، والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة ، لكن صدقوني ، ولا أبالغ ، أنا لا أتصور أن إلهاً عظيماً خالق السماوات والأرض ، بيده ملكوت كل شيء يعطيك أمراً ينفذ كما يصلي المسلمون اليوم ، ساهون لاهونَ ، لا وجهة ، ولا خشوع ، ولا تدبر آيات ، ولا اهتمام ، ولا تطبيق ، هي مِن عاداته وتقاليده ، أحياناً يكذب ، يحلف يميناً كاذبة ، لكنه يصلي .
أنا لا أصدق أن هذا الأمر الذي يؤدى بهذه الطريقة هو كما أراد الله عز وجل ، الصلاة شيء عظيم ، أنت لما تدخل على وزير ، وقد لا تحبه ، دون أن تشعر تنظر في المرآة قليلاً ، وهذا وزير ، فكيف بخالق الأكوان ، كان عليه الصلاة والسلام إذا حضرت الصلاة فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه .
الحديث الخامس :
عن ابن عباس أنه فقَد إحدى عينيه ، قيل له : نداويك ، وتدع الصلاة أياماً ، قال : لا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان ))
[ الترغيب والترهيب بسند فيه ضعف ]
الحديث السادس :
عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ : بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ ))
[ البخاري ]
الحديث السابع :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ ))
[ متفق عليه ]
أصعب صلاة على المنافق الفجر والعشاء .
هذا النبي عليه الصلاة والسلام .
الحديث الثامن :
عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ... ))
[ مسلم ]
الحديث التاسع :
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ : دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ))
[ مسلم ]
صلِ الفجر في جماعة ، والعشاء في جماعة ، فأنت في ذمة الله أربعاً وعشرين ساعة ، في حمايته ، في رعايته ، في حفظه ، في توفيقه ، في نصره .
الحديث العاشر :
عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ :
(( لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ ))
[ مسلم ]
الحديث الحادي عشر :
عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيَّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فِيمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))
[ الترمذي ]
كان على قلبه الران ، نكتت نكتة سوداء في قلبه .