قصة صحابية
هند بنت عتبة
كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان الفاكه من فتيان قريش، فاتهمها بالفاحشة خطأً فطلقها، فأخبرت هند أباها أنه كاذب عليها، فحاكمه أبوها عتبة بن ربيعة إلى بعض كُهّان اليمن، فبرَّأها مما رماها به زوجها، وبشَّرها بأنها ستلد ملكًا يقال له معاوية. فوثب إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده، وقالت له: إليك عنِّي، والله لا يجمع رأسي ورأسك وسادة، والله لأحرصَنَّ أن يكون هذا الملك من غيرك. فتزوجها أبو سفيان بن حرب، فجاءت منه بمعاوية.
موقف هند بنت عتبة في غزوة أحد
لما التقى الناس في غزوة أُحد ودنا بعضهم من بعض، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال، ويحرضن على القتال، فقالت هند فيما تقول:
إن تقبلوا نعـانق *** ونفرش النمـارق
أو تدبـروا نفارق *** فراق غير وامـق
وفي يوم أُحد جعلت هند بنت عتبة النساء معها يجدعن أنوف المسلمين ويبقرن بطونهم ويقطعن الآذان إلا حنظلة؛ فإن أباه كان من المشركين، وبقرت هند عن بطن حمزة فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها. ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها:
نحن جزيناكم بيوم بـدر *** والحرب بعد الحرب ذات سعـر
ما كان عن عتبة لي مـن *** صبر ولا أخي وعمـه وبكـري
إسلام هند بنت عتبة
أسلمت هند بنت عتبة -رضي الله عنها- يوم الفتح وحسن إسلامها، فلما بايع رسول الله النساء وقال في البيعة: "ولا يسرقن ولا يزنين". قالت هند رضي الله عنها: وهل تزني الحرة وتسرق؟! فلما قال: "ولا يقتلن أولادهن". قالت: ربيناهم صغارًا وقتلتهم كبارًا. وشكت إلى رسول الله زوجها أبا سفيان أنه شحيح لا يعطيها من الطعام ما يكفيها وولدها، فقال لها رسول الله : "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك وولدك".
ولما أسلمت هند -رضي الله عنها- جعلت تضرب صنمًا لها في بيتها بالقَدُوم حتى فلذته فلذة فلذة، وتقول: كنا معك في غرور.
مواقف هند بنت عتبة مع النبي
يقول عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن هند بنت عتبة بن ربيعة قالت: يا رسول الله، ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل أخبائك، ثم ما أصبح اليوم أهل أخباء أحب إليَّ من أن يَعِزُّوا من أهل أخبائك. قال رسول الله : "وأيضًا، والذي نفس محمد بيده".
وكان رسول الله أمر بقتل هند بنت عتبة لما فعلت بحمزة، ولما كانت تؤذي رسول الله بمكة، فجاءت إليه النساء متخفية فأسلمت وكسرت كل صنم في بيتها، وقالت: لقد كنا منكم في غرور. وأهدت إلى رسول الله جديين، واعتذرت من قلة ولادة غنمها، فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت، فكانت تهب وتقول: هذا من بركة رسول الله ، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام.
من مواقف هند بنت عتبة مع الصحابة
موقف هند بنت عتبة مع زينب بنت رسول الله
تقول السيدة زينب بنت رسول الله : لما قدم أبو العاص مكة، قال لي: تجهزي فالحقي بأبيك. فخرجت أتجهز، فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت لها: ما أردت ذلك. فقالت: أيْ بنت عم، لا تفعلي، إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك، فإن أردت سلعة بعتكها، أو قرضًا من نفقة أقرضتك؛ فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، فخفتها فكتمتها، وقلت: ما أريد ذلك.
خرج أبو سفيان حتى إذا دخل مكة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قِبل لكم به؛ فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه وقالت: اقتلوا الحَمِيت[1] الدَّسِم الأَحْمَس[2]. فقال أبو سفيان: لا يغرَنَّكم هذه من أنفسكم؛ فإنه قد جاءكم بما لا قِبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قبحك الله! وما تغني دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرَّق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
موقف هند بنت عتبة مع معاوية
قال معاوية بن أبي سفيان: لما كان عام الحديبية وصدت قريش رسول الله عن البيت، ودافعوه بالراح، وكتبوا بينهم القضية، وقع الإسلام في قلبي فذكرت ذلك لأمِّي هند بنت عتبة، فقالت: إياك أن تخالف أباك، وأن تقطع أمرًا دونه فيقطع عنك القوت. وكان أبي يومئذٍ غائبًا في سوق حباشة.
موقف هند بنت عتبة مع عمر
جاء عمر بن الخطاب إلى أبي سفيان، فإذا هند بنت عتبة -رضي الله عنها- امرأته تهيئ أُهُبه لها في المدينة، فقال: أين أبو سفيان؟ فقالت هند رضي الله عنها: ها هو ذا. وكان في ناحية من البيت، فقال: احتسبا واصبرا. فقالا: مَن يا أمير المؤمنين؟ قال: يزيد بن أبي سفيان. فقالا: من استعملت على عمله؟ قال: معاوية بن أبي سفيان. قالا: وصلتك رحم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفاة هند بنت عتبة
شهدت اليرموك مع زوجها، وماتت يوم مات أبو قحافة في سنة أربع عشرة.