غرباء في زمن الوهن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يعنى باكتشاف وجمع الجيل الواعي المثقف دينيا بشكل صحيح حسب كتاب الله والسنة الشريفة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 سورة البقرة من السورة 221-250

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 192
تاريخ التسجيل : 16/09/2013

سورة البقرة من السورة 221-250 Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة من السورة 221-250   سورة البقرة من السورة 221-250 I_icon_minitimeالثلاثاء سبتمبر 24, 2013 6:57 pm

٢٢٠
وفي هذه الآية, دليل على جواز أنواع المخالطات, في المآكل والمشارب, والعقود وغيرها, وهذه الرخصة, لطف من الله [تعالى] وإحسان, وتوسعة على المؤمنين، وإلا فـ { لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ } أي: شق عليكم بعدم الرخصة بذلك, فحرجتم. وشق عليكم وأثمتم، { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ } أي: له القوة الكاملة, والقهر لكل شيء، ولكنه مع ذلك { حَكِيمٌ } لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته الكاملة وعنايته التامة, فعزته لا تنافي حكمته، فلا يقال: إنه ما شاء فعل, وافق الحكمة أو خالفها، بل يقال: إن أفعاله وكذلك أحكامه, تابعة لحكمته, فلا يخلق شيئا عبثا, بل لا بد له من حكمة, عرفناها, أم لم نعرفها وكذلك لم يشرع لعباده شيئا مجردا عن الحكمة، فلا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة, أو راجحة, ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة خالصة أو راجحة, لتمام حكمته ورحمته.

{ 221 } { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

أي: { وَلَا تَنْكِحُوا } النساء { الْمُشْرِكَاتِ } ما دمن على شركهن { حَتَّى يُؤْمِنَّ } لأن المؤمنة ولو بلغت من الدمامة ما بلغت خير من المشركة, ولو بلغت من الحسن ما بلغت, وهذه عامة في جميع النساء المشركات، وخصصتها آية المائدة, في إباحة نساء أهل الكتاب كما قال تعالى: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }

{ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } وهذا عام لا تخصيص فيه.

ثم ذكر تعالى, الحكمة في تحريم نكاح المسلم أو المسلمة, لمن خالفهما في الدين فقال: { أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } أي: في أقوالهم أو أفعالهم وأحوالهم, فمخالطتهم على خطر منهم, والخطر ليس من الأخطار الدنيوية, إنما هو الشقاء الأبدي.

ويستفاد من تعليل الآية, النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع, لأنه إذا لم يجز التزوج مع أن فيه مصالح كثيرة فالخلطة المجردة من باب أولى, وخصوصا, الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم, كالخدمة ونحوها.

وفي قوله: { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ } دليل على اعتبار الولي [في النكاح].

{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ } أي: يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة, التي من آثارها, دفع العقوبات وذلك بالدعوة إلى أسبابها من الأعمال الصالحة, والتوبة النصوح, والعلم النافع, والعمل الصالح.

{ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ } أي: أحكامه وحكمها { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فيوجب لهم ذلك التذكر لما نسوه, وعلم ما جهلوه, والامتثال لما ضيعوه.
ثم قال تعالى: { 222 - 223 } { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }
ثم قال تعالى: { 222 - 223 } { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }

يخبر تعالى عن سؤالهم عن المحيض, وهل تكون المرأة بحالها بعد الحيض, كما كانت قبل ذلك, أم تجتنب مطلقا كما يفعله اليهود؟.

فأخبر تعالى أن الحيض أذى, وإذا كان أذى, فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده, ولهذا قال: { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } أي: مكان الحيض, وهو الوطء في الفرج خاصة, فهذا هو المحرم إجماعا، وتخصيص الاعتزال في المحيض, يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها, في غير الوطء في الفرج جائز.

لكن قوله: { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } يدل على أن المباشرة فيما قرب من الفرج, وذلك فيما بين السرة والركبة, ينبغي تركه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأته وهي حائض, أمرها أن تتزر, فيباشرها.

وحد هذا الاعتزال وعدم القربان للحُيَّض { حَتَّى يَطْهُرْنَ } أي: ينقطع دمهن, فإذا انقطع الدم, زال المنع الموجود وقت جريانه, الذي كان لحله شرطان, انقطاع الدم, والاغتسال منه.

فلما انقطع الدم, زال الشرط الأول وبقي الثاني, فلهذا قال: { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } أي: اغتسلن { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ } أي: في القبل لا في الدبر, لأنه محل الحرث.

وفيه دليل على وجوب الاغتسال للحائض, وأن انقطاع الدم, شرط لصحته.

ولما كان هذا المنع لطفا منه تعالى بعباده, وصيانة عن الأذى قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } أي: من ذنوبهم على الدوام { وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } أي: المتنزهين عن الآثام وهذا يشمل التطهر الحسي من الأنجاس والأحداث.

ففيه مشروعية الطهارة مطلقا, لأن الله يحب المتصف بها, ولهذا كانت الطهارة مطلقا, شرطا لصحة الصلاة والطواف, وجواز مس المصحف، ويشمل التطهر المعنوي عن الأخلاق الرذيلة, والصفات القبيحة, والأفعال الخسيسة.

{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل, لكونه موضع الحرث, وهو الموضع الذي يكون منه الولد.

وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر, لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث، وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم ذلك, ولعن فاعله.

{ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ } أي: من التقرب إلى الله بفعل الخيرات, ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته, ويجامعها على وجه القربة والاحتساب, وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم.

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي: في جميع أحوالكم, كونوا ملازمين لتقوى الله, مستعينين بذلك لعلمكم، { أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ } ومجازيكم على أعمالكم الصالحة وغيرها.

ثم قال: { وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } لم يذكر المبشر به ليدل على العموم, وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وكل خير واندفاع كل ضير, رتب على الإيمان فهو داخل في هذه البشارة.

وفيها محبة الله للمؤمنين, ومحبة ما يسرهم, واستحباب تنشيطهم وتشويقهم بما أعد الله لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.
{ 224 } { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

المقصود من اليمين، والقسم تعظيم المقسم به, وتأكيد المقسم عليه، وكان الله تعالى قد أمر بحفظ الأيمان, وكان مقتضى ذلك حفظها في كل شيء، ولكن الله تعالى استثنى من ذلك إذا كان البر باليمين, يتضمن ترك ما هو أحب إليه، فنهى عباده أن يجعلوا أيمانهم عرضة, أي: مانعة وحائلة عن أن يبروا: أن يفعلوا خيرا, أو يتقوا شرا, أو يصلحوا بين الناس، فمن حلف على ترك واجب وجب حنثه, وحرم إقامته على يمينه، ومن حلف على ترك مستحب, استحب له الحنث، ومن حلف على فعل محرم, وجب الحنث, أو على فعل مكروه استحب الحنث، وأما المباح فينبغي فيه حفظ اليمين عن الحنث.

ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة, أنه " إذا تزاحمت المصالح, قدم أهمها " فهنا تتميم اليمين مصلحة, وامتثال أوامر الله في هذه الأشياء, مصلحة أكبر من ذلك, فقدمت لذلك.

ثم ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي: لجميع الأصوات { عَلِيمٌ } بالمقاصد والنيات, ومنه سماعه لأقوال الحالفين, وعلمه بمقاصدهم هل هي خير أم شر، وفي ضمن ذلك التحذير من مجازاته, وأن أعمالكم ونياتكم, قد استقر علمها عنده.

{ 225 } ثم قال تعالى: { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

أي: لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية, التي يتكلم بها العبد, من غير قصد منه ولا كسب قلب, ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه: " لا والله " و " بلى والله " وكحلفه على أمر ماض, يظن صدق نفسه، وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب.

وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال, كما هي معتبرة في الأفعال.

{ والله غفور } لمن تاب إليه, { حليم } بمن عصاه, حيث لم يعاجله بالعقوبة, بل حلم عنه وستر, وصفح مع قدرته عليه, وكونه بين يديه.
{ 226 - 227 } { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

وهذا من الأيمان الخاصة بالزوجة, في أمر خاص وهو حلف الزوج على ترك وطء زوجته مطلقا، أو مقيدا، بأقل من أربعة أشهر أو أكثر.

فمن آلى من زوجته خاصة، فإن كان لدون أربعة أشهر, فهذا مثل سائر الأيمان, إن حنث كفر, وإن أتم يمينه, فلا شيء عليه, وليس لزوجته عليه سبيل, لأنه ملكه أربعة أشهر.

وإن كان أبدا, أو مدة تزيد على أربعة أشهر, ضربت له مدة أربعة أشهر من يمينه, إذا طلبت زوجته ذلك, لأنه حق لها، فإذا تمت أمر بالفيئة وهو الوطء، فإن وطئ, فلا شيء عليه إلا كفارة اليمين، وإن امتنع, أجبر على الطلاق, فإن امتنع, طلق عليه الحاكم.

ولكن الفيئة والرجوع إلى زوجته, أحب إلى الله تعالى, ولهذا قال: { فَإِنْ فَاءُوا } أي: رجعوا إلى ما حلفوا على تركه, وهو الوطء. { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } يغفر لهم ما حصل منهم من الحلف, بسبب رجوعهم. { رَحِيمٌ } حيث جعل لأيمانهم كفارة وتحلة, ولم يجعلها لازمة لهم غير قابلة للانفكاك, ورحيم بهم أيضا, حيث فاءوا إلى زوجاتهم, وحنوا عليهن ورحموهن.

{ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ } أي: امتنعوا من الفيئة, فكان ذلك دليلا على رغبتهم عنهن, وعدم إرادتهم لأزواجهم, وهذا لا يكون إلا عزما على الطلاق، فإن حصل هذا الحق الواجب منه مباشرة, وإلا أجبره الحاكم عليه أو قام به.

{ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } فيه وعيد وتهديد, لمن يحلف هذا الحلف, ويقصد بذلك المضارة والمشاقة.

ويستدل بهذه الآية على أن الإيلاء, خاص بالزوجة, لقوله: { من نسائهم } وعلى وجوب الوطء في كل أربعة أشهر مرة, لأنه بعد الأربعة, يجبر إما على الوطء, أو على الطلاق, ولا يكون ذلك إلا لتركه واجبا.

{ 228 } { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

أي: النساء اللاتي طلقهن أزواجهن { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } أي: ينتظرن ويعتددن مدة { ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } أي: حيض, أو أطهار على اختلاف العلماء في المراد بذلك, مع أن الصحيح أن القرء, الحيض, ولهذه العدةِ عِدّةُ حِكَمٍ، منها: العلم ببراءة الرحم, إذا تكررت عليها ثلاثة الأقراء, علم أنه ليس في رحمها حمل, فلا يفضي إلى اختلاط الأنساب، ولهذا أوجب تعالى عليهن الإخبار عن { مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ } وحرم عليهن, كتمان ذلك, من حمل أو حيض, لأن كتمان ذلك, يفضي إلى مفاسد كثيرة، فكتمان الحمل, موجب أن تلحقه بغير من هو له, رغبة فيه واستعجالا لانقضاء العدة، فإذا ألحقته بغير أبيه, حصل من قطع الرحم والإرث, واحتجاب محارمه وأقاربه عنه, وربما تزوج ذوات محارمه، وحصل في مقابلة ذلك, إلحاقه بغير أبيه, وثبوت توابع ذلك, من الإرث منه وله, ومن جعل أقارب الملحق به, أقارب له، وفي ذلك من الشر والفساد, ما لا يعلمه إلا رب العباد، ولو لم يكن في ذلك, إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه, وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة, وهي الزنا لكفى بذلك شرا.

وأما كتمان الحيض, بأن استعجلت وأخبرت به وهي كاذبة, ففيه من انقطاع حق الزوج عنها, وإباحتها لغيره وما يتفرع عن ذلك من الشر, كما ذكرنا، وإن كذبت وأخبرت بعدم وجود الحيض, لتطول العدة, فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه, بل هي سحت عليها محرمة من جهتين:

من كونها لا تستحقه, ومن كونها نسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة, وربما راجعها بعد انقضاء العدة, فيكون ذلك سفاحا, لكونها أجنبية عنه, فلهذا قال تعالى: { وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }
{ 229 } { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

كان الطلاق في الجاهلية, واستمر أول الإسلام, يطلق الرجل زوجته بلا نهاية، فكان إذا أراد مضارتها, طلقها, فإذا شارفت انقضاء عدتها, راجعها, ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا, فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم، فأخبر تعالى أن { الطَّلَاقَ } أي: الذي تحصل به الرجعة { مَرَّتَانِ } ليتمكن الزوج إن لم يرد المضارة من ارتجاعها, ويراجع رأيه في هذه المدة، وأما ما فوقها, فليس محلا لذلك, لأن من زاد على الثنتين, فإما متجرئ على المحرم, أو ليس له رغبة في إمساكها, بل قصده المضارة، فلهذا أمر تعالى الزوج, أن يمسك زوجته { بِمَعْرُوفٍ } أي: عشرة حسنة, ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم, وهذا هو الأرجح, وإلا يسرحها ويفارقها { بِإِحْسَانٍ } ومن الإحسان, أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها, لأنه ظلم, وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء, فلهذا قال: { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وهي المخالعة بالمعروف, بأن كرهت الزوجة زوجها, لخلقه أو خلقه أو نقص دينه, وخافت أن لا تطيع الله فيه، { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة، وفي هذا مشروعية الخلع, إذا وجدت هذه الحكمة.

{ تِلْكَ } أي ما تقدم من الأحكام الشرعية { حُدُودُ اللَّهِ } أي: أحكامه التي شرعها لكم, وأمر بالوقوف معها، { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال, وتعدى منه إلى الحرام, فلم يسعه ما أحل الله؟

والظلم ثلاثة أقسام:

ظلم العبد فيما بينه وبين الله, وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك, وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة, وحقوق العباد, لا يترك الله منها شيئا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك, تحت المشيئة والحكمة.

{ 230 - 231 } { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

يقول تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا } أي: الطلقة الثالثة { فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } أي: نكاحا صحيحا ويطؤها, لأن النكاح الشرعي لا يكون إلا صحيحا, ويدخل فيه العقد والوطء, وهذا بالاتفاق.

ويشترط أن يكون نكاح الثاني, نكاح رغبة، فإن قصد به تحليلها للأول, فليس بنكاح, ولا يفيد التحليل، ولا يفيد وطء السيد, لأنه ليس بزوج، فإذا تزوجها الثاني راغبا ووطئها, ثم فارقها وانقضت عدتها { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } أي: على الزوج الأول والزوجة { أَنْ يَتَرَاجَعَا } أي: يجددا عقدا جديدا بينهما, لإضافته التراجع إليهما, فدل على اعتبار التراضي.

ولكن يشترط في التراجع أن يظنا { أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } بأن يقوم كل منهما, بحق صاحبه، وذلك إذا ندما على عشرتهما السابقة الموجبة للفراق, وعزما أن يبدلاها بعشرة حسنة, فهنا لا جناح عليهما في التراجع.

ومفهوم الآية الكريمة, أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله, بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية, والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا, لأن جميع الأمور, إن لم يقم فيها أمر الله, ويسلك بها طاعته, لم يحل الإقدام عليها.

وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان, إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور, خصوصا الولايات, الصغار, والكبار, نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك, ووثق بها, أقدم, وإلا أحجم.

فصدور الكتمان منهن دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر, وإلا فلو آمن بالله واليوم الآخر, وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن, لم يصدر منهن شيء من ذلك.

وفي ذلك دليل على قبول خبر المرأة, عما تخبر به عن نفسها, من الأمر الذي لا يطلع عليه غيرها, كالحيض والحمل ونحوه

ثم قال تعالى: { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } أي: لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة, أن يردوهن إلى نكاحهن { إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا } أي: رغبة وألفة ومودة.


ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح, فليسوا بأحق بردهن, فلا يحل لهم أن يراجعوهن, لقصد المضارة لها, وتطويل العدة عليها، وهل يملك ذلك, مع هذا القصد؟ فيه قولان.

الجمهور على أنه يملك ذلك, مع التحريم, والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح, لا يملك ذلك, كما هو ظاهر الآية الكريمة, وهذه حكمة أخرى في هذا التربص، وهي: أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها, فجعلت له هذه المدة, ليتروى بها ويقطع نظره.

وهذا يدل على محبته تعالى, للألفة بين الزوجين, وكراهته للفراق, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وهذا خاص في الطلاق الرجعي، وأما الطلاق البائن, فليس البعل بأحق برجعتها، بل إن تراضيا على التراجع, فلا بد من عقد جديد مجتمع الشروط.

ثم قال تعالى: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة.

ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف, وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة, والأحوال, والأشخاص والعوائد.
ومفهوم الآية الكريمة, أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله, بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية, والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا, لأن جميع الأمور, إن لم يقم فيها أمر الله, ويسلك بها طاعته, لم يحل الإقدام عليها.

وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للإنسان, إذا أراد أن يدخل في أمر من الأمور, خصوصا الولايات, الصغار, والكبار, نظر في نفسه ، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك, ووثق بها, أقدم, وإلا أحجم.
ولما بين تعالى هذه الأحكام العظيمة قال: { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } أي: شرائعه التي حددها وبينها ووضحها.

{ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } لأنهم هم المنتفعون بها, النافعون لغيرهم.

وفي هذا من فضيلة أهل العلم, ما لا يخفى, لأن الله تعالى جعل تبيينه لحدوده, خاصا بهم, وأنهم المقصودون بذلك، وفيه أن الله تعالى يحب من عباده, معرفة حدود ما أنزل على رسوله والتفقه بها.

ثم قال تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ } أي: طلاقا رجعيا بواحدة أو ثنتين.

{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: قاربن انقضاء عدتهن.

{ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي: إما أن تراجعوهن, ونيتكم القيام بحقوقهن, أو تتركوهن بلا رجعة ولا إضرار, ولهذا قال: { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا } أي: مضارة بهن { لِتَعْتَدُوا } في فعلكم هذا الحلال, إلى الحرام، فالحلال: الإمساك بمعروف والحرام: المضارة، { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد إلى من أراد الضرار.

{ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } لما بين تعالى حدوده غاية التبيين, وكان المقصود, العلم بها والعمل, والوقوف معها, وعدم مجاوزتها, لأنه تعالى لم ينزلها عبثا, بل أنزلها بالحق والصدق والجد, نهى عن اتخاذها هزوا, أي: لعبا بها, وهو التجرؤ عليها, وعدم الامتثال لواجبها، مثل استعمال المضارة في الإمساك, أو الفراق, أو كثرة الطلاق, أو جمع الثلات، والله من رحمته جعل له واحدة بعد واحدة, رفقا به وسعيا في مصلحته.

{ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } عموما باللسان ثناء وحمدا، وبالقلب اعترافا وإقرارا, وبالأركان بصرفها في طاعة الله، { وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ } أي: السنة اللذين بيّن لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها, وطرق الشر وحذركم إياها, وعرفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه, وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون.

وقيل: المراد بالحكمة أسرار الشريعة, فالكتاب فيه, الحكم، والحكمة فيها, بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه، وكلا المعنيين صحيح، ولهذا قال { يَعِظُكُمْ بِهِ } أي: بما أنزل عليكم, وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة, أسرار الشريعة, لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة, والترغيب, أو الترهيب, فالحكم به, يزول الجهل، والحكمة مع الترغيب, يوجب الرغبة، والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة.

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } في جميع أموركم { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فلهذا بيّن لكم هذه الأحكام بغاية الإحكام والإتقان التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان, [فله الحمد والمنة].

{ 232 } { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }


وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة, والمعاشرة, والمسكن, وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق.

وأما مع الشرط, فعلى شرطهما, إلا شرطا أحل حراما, أو حرم حلالا.

{ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } أي: رفعة ورياسة, وزيادة حق عليها, كما قال تعالى: { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }
{ 232 } { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }

هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة, وأراد زوجها أن ينكحها, ورضيت بذلك, فلا يجوز لوليها, من أب وغيره; أن يعضلها; أي: يمنعها من التزوج به حنقا عليه; وغضبا; واشمئزازا لما فعل من الطلاق الأول.

وذكر أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإيمانه يمنعه من العضل، فإن ذلك أزكى لكم وأطهر وأطيب مما يظن الولي أن عدم تزويجه هو الرأي: واللائق وأنه يقابل بطلاقه الأول بعدم التزويج له كما هو عادة المترفعين المتكبرين.

فإن كان يظن أن المصلحة في عدم تزويجه, فالله { يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فامتثلوا أمر من هو عالم بمصالحكم, مريد لها, قادر عليها, ميسر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره.

وفي هذه الآية, دليل على أنه لا بد من الولي في النكاح, لأنه نهى الأولياء عن العضل, ولا ينهاهم إلا عن أمر, هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق.

ثم قال تعالى:

{ 233 } { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

هذا خبر بمعنى الأمر, تنزيلا له منزلة المتقرر, الذي لا يحتاج إلى أمر بأن { يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ }



ولما كان الحول, يطلق على الكامل, وعلى معظم الحول قال: { كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } فإذا تم للرضيع حولان, فقد تم رضاعه وصار اللبن بعد ذلك, بمنزلة سائر الأغذية, فلهذا كان الرضاع بعد الحولين, غير معتبر, لا يحرم.

ويؤخذ من هذا النص, ومن قوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } أن أقل مدة الحمل ستة أشهر, وأنه يمكن وجود الولد بها.

{ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ } أي: الأب { رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة, فإن على الأب رزقها, أي: نفقتها وكسوتها, وهي الأجرة للرضاع.

ودل هذا, على أنها إذا كانت في حباله, لا يجب لها أجرة, غير النفقة والكسوة, وكل بحسب حاله, فلهذا قال: { لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا } فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني, ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد، { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها, إما أن تمنع من إرضاعه, أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة, والكسوة أو الأجرة، { وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له, أو تطلب زيادة عن الواجب, ونحو ذلك من أنواع الضرر.

ودل قوله: { مَوْلُودٌ لَهُ } أن الولد لأبيه, لأنه موهوب له, ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله, رضي أو لم يرض, بخلاف الأم.

وقوله: { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } أي: على وارث الطفل إذا عدم الأب, وكان الطفل ليس له مال, مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين, على القريب الوارث الموسر، { فَإِنْ أَرَادَا } أي: الأبوان { فِصَالًا } أي: فطام الصبي قبل الحولين، { عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا } بأن يكونا راضيين { وَتَشَاوُرٍ } فيما بينهما, هل هو مصلحة للصبي أم لا؟ فإن كان مصلحة ورضيا { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } في فطامه قبل الحولين، فدلت الآية بمفهومها, على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر, أو لم يكن مصلحة للطفل, أنه لا يجوز فطامه.

وقوله: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ } أي: تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ } أي: للمرضعات, { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فمجازيكم على ذلك بالخير والشر.
{ 234 } { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

أي: إذا توفي الزوج, مكثت زوجته, متربصة أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا، والحكمة في ذلك, ليتبين الحمل في مدة الأربعة, ويتحرك في ابتدائه في الشهر الخامس، وهذا العام مخصوص بالحوامل, فإن عدتهن بوضع الحمل، وكذلك الأمة, عدتها على النصف من عدة الحرة, شهران وخمسة أيام.

وقوله: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي: انقضت عدتهن { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } أي: من مراجعتها للزينة والطيب، { بِالْمَعْرُوفِ } أي: على وجه غير محرم ولا مكروه.

وفي هذا وجوب الإحداد مدة العدة, على المتوفى عنها زوجها, دون غيرها من المطلقات والمفارقات, وهو مجمع عليه بين العلماء.

{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي: عالم بأعمالكم, ظاهرها وباطنها, جليلها وخفيها, فمجازيكم عليها.

وفي خطابه للأولياء بقوله: { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ } دليل على أن الولي ينظر على المرأة, ويمنعها مما لا يجوز فعله ويجبرها على ما يجب, وأنه مخاطب بذلك, واجب عليه.

{ 235 } { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

هذا حكم المعتدة من وفاة, أو المبانة في الحياة، فيحرم على غير مبينها أن يصرح لها في الخطبة, وهو المراد بقوله: { وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا } وأما التعريض, فقد أسقط تعالى فيه الجناح.

والفرق بينهما: أن التصريح, لا يحتمل غير النكاح, فلهذا حرم, خوفا من استعجالها, وكذبها في انقضاء عدتها, رغبة في النكاح، ففيه دلالة على منع وسائل المحرم, وقضاء لحق زوجها الأول, بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها.

وأما التعريض, وهو الذي يحتمل النكاح وغيره, فهو جائز للبائن كأن يقول لها: إني أريد التزوج, وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك, ونحو ذلك, فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة الصريح, وفي النفوس داع قوي إليه.

وكذلك إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها, إذا انقضت، ولهذا قال: { أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } هذا التفصيل كله في مقدمات العقد.

وأما عقد النكاح فلا يحل { حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ } أي: تنقضي العدة.

{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ } أي: فانووا الخير, ولا تنووا الشر, خوفا من عقابه ورجاء لثوابه.

{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } لمن صدرت منه الذنوب, فتاب منها, ورجع إلى ربه { حَلِيمٌ } حيث لم يعاجل العاصين على معاصيهم, مع قدرته عليهم.

{ 236 } { لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ }

أي: ليس عليكم يا معشر الأزواج جناح وإثم, بتطليق النساء قبل المسيس, وفرض المهر, وإن كان في ذلك كسر لها, فإنه ينجبر بالمتعة، فعليكم أن تمتعوهن بأن تعطوهن شيئا من المال, جبرا لخواطرهن. { عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ } أي: المعسر { قَدَرُهُ }

وهذا يرجع إلى العرف, وأنه يختلف باختلاف الأحوال ولهذا قال: { مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ } فهذا حق واجب { عَلَى الْمُحْسِنِينَ } ليس لهم أن يبخسوهن.

فكما تسببوا لتشوفهن واشتياقهن, وتعلق قلوبهن, ثم لم يعطوهن ما رغبن فيه, فعليهم في مقابلة ذلك المتعة.

فلله ما أحسن هذا الحكم الإلهي, وأدله على حكمة شارعه ورحمته" ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟" فهذا حكم المطلقات قبل المسيس وقبل فرض المهر.

ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال:

{ 237 } { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أي: إذا طلقتم النساء قبل المسيس, وبعد فرض المهر, فللمطلقات من المهر المفروض نصفه, ولكم نصفه.

هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة, بأن تعفو عن نصفها لزوجها, إذا كان يصح عفوها, { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وهو الزوج على الصحيح لأنه الذي بيده حل عقدته؛ ولأن الولي لا يصح أن يعفو عن ما وجب للمرأة, لكونه غير مالك ولا وكيل.

ثم رغب في العفو, وأن من عفا, كان أقرب لتقواه, لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر, ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف, وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة, لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب, وهو: أخذ الواجب, وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان, وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق, والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة, ولو في بعض الأوقات, وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة, أو مخالطة, فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم، ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }.

ثم قال تعالى: { 238 - 239 } { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ }

يأمر بالمحافظة على الصلوات عمومًا وعلى الصلاة الوسطى، وهي العصر خصوصًا، والمحافظة عليها أداؤهابوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب، وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات، وتفيد النهي عن الفحشاء والمنكر خصوصًا إذا أكملها كما أمر بقوله { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } أي: ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع، هذا مع الأمن والطمأنينة.

{ فَإِنْ خِفْتُمْ } لم يذكر ما يخاف منه ليشمل الخوف من كافر وظالم وسبع، وغير ذلك من أنواع المخاوف، أي: إن خفتم بصلاتكم على تلك الصفة فصلوها { رِجَالًا } أي: ماشين على أقدامكم، { أَوْ رُكْبَانًا } على الخيل والإبل وغيرها، ويلزم على ذلك أن يكونوا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وفي هذا زيادة التأكيد على المحافظة على وقتها حيث أمر بذلك ولو مع الإخلال بكثير من الأركان والشروط، وأنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها ولو في هذه الحالة الشديدة، فصلاتها على تلك الصورة أحسن وأفضل بل أوجب من صلاتها مطمئنا خارج الوقت { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } أي: زال الخوف عنكم { فَاذْكُرُوا اللَّهَ } وهذا يشمل جميع أنواع الذكر ومنه الصلاة على كمالها وتمامها { كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإنها نعمة عظيمة ومنة جسيمة، تقتضي مقابلتها بالذكر والشكر ليبقي نعمته عليكم ويزيدكم عليها.


ثم قال تعالى: { 240 } { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

أي: الأزواج الذين يموتون ويتركون خلفهم أزواجا فعليهم أن يوصوا { وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } أي: يوصون أن يلزمن بيوتهم مدة سنة لا يخرجن منها { فإن خرجن } من أنفسهن { فلا جناح عليكم } أيها الأولياء { فيما فعلن في أنفسهم من معروف والله عزيز حكيم } أي: من مراجعة الزينة والطيب ونحو ذلك وأكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة بما قبلها وهي قوله: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } وقيل لم تنسخها بل الآية الأولى دلت على أن أربعة أشهر وعشر واجبة، وما زاد على ذلك فهي مستحبة ينبغي فعلها تكميلا لحق الزوج، ومراعاة للزوجة، والدليل على أن ذلك مستحب أنه هنا نفى الجناح عن الأولياء إن خرجن قبل تكميل الحول، فلو كان لزوم المسكن واجبا لم ينف الحرج عنهم.
{ 241 - 242 } { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

أي: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على كل متق، جبرا لخاطرها وأداء لبعض حقوقها، وهذه المتعة واجبة على من طلقت قبل المسيس، والفرض سنة في حق غيرها كما تقدم، هذا أحسن ما قيل فيها، وقيل إن المتعة واجبة على كل مطلقة احتجاجا بعموم هذه الآية، ولكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيّد، وتقدم أن الله فرض المتعة للمطلقة قبل الفرض والمسيس خاصة.

ولما بيّن تعالى هذه الأحكام العظيمة المشتملة على الحكمة والرحمة امتن بها على عباده فقال: { كذلك يبين الله لكم آياته } أي: حدوده، وحلاله وحرامه والأحكام النافعة لكم، لعلكم تعقلونها فتعرفونها وتعرفون المقصود منها، فإن من عرف ذلك أوجب له العمل بها، ثم قال تعالى:

{ 243 - 245 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم، بأن الذي أخرجهم منها حذر الموت من وباء أو غيره، يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت، ولكن لا يغني حذر عن قدر، { فقال الله لهم موتوا } فماتوا { ثم } إن الله تعالى { أحياهم } إما بدعوة نبي أو بغير ذلك، رحمة بهم ولطفا وحلما، وبيانا لآياته لخلقه بإحياء الموتى، ولهذا قال: { إن الله لذو فضل } أي: عظيم { على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون } فلا تزيدهم النعمة شكرا، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم.

ثم أمر تعالى بالقتال في سبيله، وهو قتال الأعداء الكفار لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، فقال: { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم } أي: فأحسنوا نياتكم واقصدوا بذلك وجه الله، واعلموا أنه لا يفيدكم القعود عن القتال شيئا، ولو ظننتم أن في القعود حياتكم وبقاءكم، فليس الأمر كذلك، ولهذا ذكر القصة السابقة توطئة لهذا الأمر، فكما لم ينفع الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت خروجهم، بل أتاهم ما حذروا من غير أن يحتسبوا، فاعلموا أنكم كذلك.

ولما كان القتال فى سبيل الله لا يتم إلا بالنفقة وبذل الأموال في ذلك، أمر تعالى بالإنفاق في سبيله ورغب فيه، وسماه قرضا فقال: { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } فينفق ما تيسر من أمواله في طرق الخيرات، خصوصا في الجهاد، والحسن هو الحلال المقصود به وجه الله تعالى، { فيضاعفه له أضعافا كثيرة } الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، بحسب حالة المنفق، ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها، ولما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر دفع تعالى هذا الوهم بقوله: { والله يقبض ويبسط } أي: يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء، فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع إليه، فالإمساك لا يبسط الرزق، والإنفاق لا يقبضه، ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله، بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا، فلهذا قال: { وإليه ترجعون } فيجازيكم بأعمالكم.

ففي هذه الآيات دليل على أن الأسباب لا تنفع مع القضاء والقدر، وخصوصا الأسباب التي تترك بها أوامر الله. وفيها: الآية العظيمة بإحياء الموتى أعيانا في هذه الدار. وفيها: الأمر بالقتال والنفقة في سبيل الله، وذكر الأسباب الداعية لذلك الحاثة عليه، من تسميته قرضا، ومضاعفته، وأن الله يقبض ويبسط وإليه ترجعون.
{ 246 -248 } { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

يقص تعالى على نبيه قصة الملأ من بني إسرائيل وهم الأشراف والرؤساء، وخص الملأ بالذكر، لأنهم في العادة هم الذين يبحثون عن مصالحهم ليتفقوا فيتبعهم غيرهم على ما يرونه، وذلك أنهم أتوا إلى نبي لهم بعد موسى عليه السلام فقالوا له { ابعث لنا ملكا } أي: عيِّن لنا ملكا { نقاتل في سبيل الله } ليجتمع متفرقنا ويقاوم بنا عدونا، ولعلهم في ذلك الوقت ليس لهم رئيس يجمعهم، كما جرت عادة القبائل أصحاب البيوت، كل بيت لا يرضى أن يكون من البيت الآخر رئيس، فالتمسوا من نبيهم تعيين ملك يرضي الطرفين ويكون تعيينه خاصا لعوائدهم، وكانت أنبياء بني إسرائيل تسوسهم، كلما مات نبي خلفه نبي آخر، فلما قالوا لنبيهم تلك المقالة { قال } لهم نبيهم { هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا } أي: لعلكم تطلبون شيئا وهو إذا كتب عليكم لا تقومون به، فعرض عليهم العافية فلم يقبلوها، واعتمدوا على عزمهم ونيتهم، فقالوا: { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } أي: أي شيء يمنعنا من القتال وقد ألجأنا إليه، بأن أخرجنا من أوطاننا وسبيت ذرارينا، فهذا موجب لكوننا نقاتل ولو لم يكتب علينا، فكيف مع أنه فرض علينا وقد حصل ما حصل، ولهذا لما لم تكن نياتهم حسنة ولم يقوَ توكلهم على ربهم { فلما كتب عليهم القتال تولوا } فجبنوا عن قتال الأعداء وضعفوا عن المصادمة، وزال ما كانوا عزموا عليه، واستولى على أكثرهم الخور والجبن { إلا قليلا منهم } فعصمهم الله وثبتهم وقوى قلوبهم فالتزموا أمر الله ووطنوا أنفسهم على مقارعة أعدائه، فحازوا شرف الدنيا والآخرة، وأما أكثرهم فظلموا أنفسهم وتركوا أمر الله، فلهذا قال: { والله عليم بالظالمين وقال لهم نبيهم } مجيبا لطلبهم { إن الله قد بعث لكم طالوت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ghorabaa.yoo7.com
 
سورة البقرة من السورة 221-250
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة من الاية 1 حتى 39
» سورة البقرة من الاية 165-179
» سورة البقرة من الاية 165-179
» سورة البقرة من الاية 195-220
» البقرة من الاية 40 - 79

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
غرباء في زمن الوهن :: القرآن الكريم :: تفسير القرآن الكريم www.Imadislam.com-
انتقل الى: