من أسماء الله الحسنى "الرحمان الرحيم"
فالله عزوجل هو الرحمان الرحيم: رحمان في الدنيا رحمة عامة بكل خلقه،ورحيم في الدنيا والآخرة رحمة خاصة بعباده المؤمنين.
*مظاهر رحمة الله العامة وتجلياتها:
1- فرحمة الله العامة تتجلى في هداية كل خلقه إلى ما ينفعهم ويدعم وجودهم.قال تعالى
ورحمتي وسعت كل شيئ)الأعراف156.فمثلا الجنين في رحم(مشتق من الرحمة) أمه،يأتيه رزقه بلا حول ولاقوة ،ويجد فيه كل ما يحتاجه لنموه رزقا من الله من دون تعب ولا مقابل.وحتى الطيور والنحل والسمك ،والأشجار والنبات يهديهم الله إلى ما يناسب تكوينهم،فمثلا نجد شجر التفاح وشجر الليمون في مكان واحد لكن كل صنف يأخذ من التربة المواد والمعادن التي تناسب تركيبه وتكوينه.
قال تعالى
ربنا الذي أعطى كل شيئ خلقه ثم هدى)طه56.ولقد قرنت الهدى بالرحمة في كثير من الواضع في القرآن الكريم.
2- ومن رحمته تعالى العامة أنه ينزل الغيث من السماء ،فلولا الماء لاستحالت الحياة.قال تعالى
وهو الذي ينزل العيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته،وهو الولي الحميد)الشورى28.
3- وبرحمة الله العامة ينمو الإنسان ويزكو.قال تعالى
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم )النور21.
4- من رحمته تعالى العامة أن جعل المودة بين الزوجين ،وهذا من آيات الله تعالى في الأنفس.قال تعالى
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ،إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)الروم21.
وهذا يصدق على كل مخلوقات الأرض.قال تعالى
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون)يس36.
5- فرحمته تعالى العامة جعلها الله تعالى في كل قلب كل مخلوق، إنسان أو حيوان بها يرحم صغاره فيدفع عنهم كل شريهدد وجودهم ويجلب لهم كل خير يدعم وجودهم.
5- ورحمته تعالى العامة تتجلى في مغفرة الذنوب مهما كثرت وعظمت للعصاة التائبين والمنيبين.قال تعالى
كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم)الأنعام54.
كتب ربكم على نفسه الرحمة: يعني فرض وألزم تعالى ذاته الرحمة.
وقال تعالى
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ،إن الله يغفر الذنوب جميعا،إنه هو الغفور الرحيم)الزمر23.
وتكررت عبارة"الغفور الرحيم" في كثير من المواضع في القرآن الكريم دلالة على التوكيد والتقرير و أن الله تعالى كثير المغفرة ورحيم بعباده التائبين .
فهذه الرحمة الواسعة تعد أكبر علاج نفسي للعصاة المذنبين ،حيث يتم تخليصهم من عقدة الشعور بالذنب ،مما يفتح في وجوههم آمالا عريضة فيجعلهم يتمتعون بالصحة العقلية والنفسية والجسدية الجيدة .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علتنا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.آمين يارب العالمين.
قال تعالى
والله يختص برحمته من يشاء،والله ذو الفضل العظيم )البقرة105.
فرحمته تعالى الخاصة بعبادة المؤمنين مرافقة للمودة وهي أبلغ من المحبة.قال تعالى
إن ربي رحيم ودود)هود90.والذي يُكن لك الرحمة والمودة لا يمكنه أن يخذلك أو يتخلى عنك.فرحمته تعالى الخاصة بالمؤمنين تتجلى في رعايتهم وولايتهم والدفاع عنهم وحمايتهم من كيد الكائدين والتفضل عليهم بالسكينة والطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة.
فرحمة الأب بـأبنائه الطائعين تحمله على الدفاع عنهم ومحاولة إنقاذهم أثناء المواقف الصعبة،ورحمة الله الخاصة بالمؤمنين تجعله يدافع عنهم فينجيهم من كيد الكائدين ومكر الماكرين.قال تعالى
إن الله يدافع عن الذين آمنوا)الحج38.
وقال تعالى
ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ)هود58.
وقال تعالى
ولما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين)هود94.
الكثير من المسلمين يصابون بابتلاءات صعبة قد تكون بسبب معاصيهم فيخطر على بالهم أنهم غير محظوظين مقارنة مع غيرهم.فالذنوب والأخطاء أمراض،والتخلص من آثارها يحتاج إلى علاج .ولنضرب مثلا : إن رحمة الأب تحمله على إجراء عملية لإبنه المريض لدى الطبيب حتى يتعافى من البلاء فيعيش حياة سوية وسعيدة.فالإبن يراها شرا محضا ،لكن الأب يرى خيرا محضا.قال تعالى
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم،وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)البقرة 216.فالبلاء من مكفرات الذنوب ورفعة للدرجات وهذا من رحمة الله الخاصة لعباده الصالحين.
وبرحمة الله الخاصة يحظى المؤمن بالجنة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة .قالوا ولا أنت يارسول الله ؟ قال :ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة"رواه البخاري ومسلم.
وقال تعالى
وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون)آل عمران107. ففي رحمة الله هم فيها خالدون:أي فهم في الجنة مخلدون لا يخرجون منها أبدا.
ملحوظة:سنواصل الحديث في نفس الموضوع لاحقا إن شاء الله تعالى.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.آمين يارب العالمين.
ذكرنا سابقا أن الله عزوجل هو الرحمان الرحيم وهو أرحم الراحمين ،وكي شيئ يكتسب صفة الرحمة باتصاله بالله عزوجل فهو تعالى المصدر الأصلي للرحمة ،فإذا طاب المنبع عذبت الفروع.،فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم رحمة ،هذا ما ستحاول تفصيله:
الرسول الكريم رحمة:
إن الغاية من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم هي:"الرحمة".قال تعالى
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء107. وفي الحديث الشريف:"إنما أنا رحمة مهداة". وبذلك نجزم أن الدين الإسلامي هو دين الرحمة بالدرجة الأولى.ولقد قيل:"إن اليهود اتصفوا بالحكمة،والنصارى بالمحبة والمسلمين بالرحمة".
فالرحمة التي أودعها الله تعالى في قلب نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم ،رحمة عامة تشمل سائر الخلق ،مصداقا لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ الأنبياء107،ورحمة خاصة بالمؤمنين مصداقا لقوله تعالى
بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة 128.فحسب بعض العلماء،الرأفة هي منع ما يؤذي والرحمة هي جلب ما ينفع.
ومن تدبر سيرته صلى الله عليه وسلم ،يجد رحمته تشمل كل الخلق،كان يرحم الناس جميعا حتى الكفار منهم الذين آذوه وعادوه،ولنتذكر قولته صلى الله عليه وسلم التاريخية لكفار قريش:"اذهبوا فأنتم الطلقاء".
كان صلى الله عليه وسلم برحمته يحزن للإنسان الذي يموت وهو كافر،ويحزن للإنسان على كفره،قال تعالى
فلعلك باخع نفسك على أثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)6.أي فلعلك قاتل نفسك ومهلكها غما وغضبا وحزنا على إعراضهم عن الإيمان بالقرآن.
فرحمته صلى الله عليه وسلم شملت كل الناس وبالخصوص الضعفاء ،كما شملت الحيوان والطيور والأشجار .
كان صلى الله عليه وسلم حريصا على الرحمة بالضعفاء،ففي الحديث الشريف:"ابغوني في الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم"رواه أبو داود.
وفي حديث آخر :"اتقوا الله في الضعيفين ،الأرملة واليتيم". وقوله صلى الله عليه وسلم:"أنا وكافل اليتيم في الجنة".
والرسول صلى الله عليه وسلم ينفي الإيمان عن الذي لا يرحم الناس كلهم بغض النظر عن معتقداتهم ،لغاتهم ألوانهم سنهم ،جنسهم...ففي الحديث الشريف :"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة :"لن تؤمنوا حتى ترحموا ،قالوا :كلنا رحيم يا رسول الله ،قال :إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة الناس رحمة العام"رواه البخاري.
فلو تمسكنا بتعاليم إسلامنا الحنيف لما احتجنا إلى الدعوة للتشريعات والمؤتمرات التي تعقدها هيئة الأمم لحل مشاكل المجتمعات على حد تعبير الدكتور عبد الرحمان عيسوي وهو أستاذ علم النفس بجامعتي الإسكندرية وبيروت.
اللهم ردنا إلى دينك ردا جميلا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .آمين يارب العالمين.
ذكرنا سابقا أن الله عزوجل هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين ،وكل شيئ يتصف بالرحمة باتصاله بالله عزوجل ،فالقرآن الكريم رحمة ،والرسول صل الله عليه وسلم رحمة ،والعلماء ورثة الأنبياء رحمة.فإذا طاب المنبع عذبت الفروع.
العلماء رحمة:
فالإنسان العادي قد تحل به المشاكل فيصاب بالحيرة والتخبط في التفكير فيعيش مشاكل واضطرابات نفسية ،لكنه إذا سأل أهل العلم يدلونه ويهدونه إلى الطريق الصحيح فيرتاح ويطمئن.فالعلماء رحمة ،فهم ورثة الأنبياء كما ورد في حديث الرسول صل الله عليه وسلم .وقيل أيضا :"العالم المفتي يقوم مقام النبي"
قال الحسن:"لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم ،أي أنهم بالعلم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية".
وقال يحيى بن معاذ :"العلماء أرحم بأمة محمد صل الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم ،قيل :وكيف ذلك ؟قال :لأن آبائهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة".وقد قرنت الرحمة بالعلم في القرآن الكريم.قال تعالى
ربنا وسعت كل شيئ رحمة وعلما)غافر7.
وليس المقصود علماء الدين فقط بل حتى علماء الدنيا الذين يحاولون الكشف عن الحقائق العلمية والكونية فيوظفونها لفائدة ونفع الإنسانية .ويتجلى هذا في الحفاظ على صحة الإنسان وإثراء حياته من خلال تقدم المواصلات التي تيسر تنقل الإنسان من مكان إلى مكان بعيد ، و وسائل الإعلام و الاتصال التي تيسر سبل التواصل بين الناس. وكذا الكشف عن أعماق البحار واستغلال ثرواتها، و حسن استغلال ثروات الأرض وتطوير الفلاحة والزراعة والصناعة والتجارة... ويتجلى أيضا في التقدم الطبي المطرد الذي يقضي على الكثير من الأوبئة والأمراض الفتاكة التي تشقي الإنسان وتعجل بهلاكه. قال تعالى
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)المائدة32.
ملحوظة:سنواصل الحديث في نفس الموضوع لاحقا إن شاء الله تعالى.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين آمين يارب العالمين.